مقدمة كتاب تاريخ الكنيسة القبطية
كلمة عن المؤلف
نيح الله نفسه
ولد الفقيد العزيزسنة ١٨٩٩ بناحية هور مركزملوى من أبوين مسيحيين تقيين كريمى المحتد عر يقى النسب ، ومات أبوه وهو فى سن الطفولة فعنيت أمه بتربيته تحت رعاية جده الوقور ونظرا لما كانت عليه (رحمها الله) من الصلاح والورع والحكة وكرم النفس والبر بالفقراء والمسا كين والعطف على الارامل واليتامى والمجربين فقد تشرب الفقيد منها هذه السجايا الحميدة وترعرع فى كنفها ونما فى أحضان الفضل والتقى وخصه الله فوق ذلك بذكاء حاد وعقل راجح وفكرثاقب .
وكان حبه لكنيسته الارثوذكسية غريزة متأصلة فى نفسه وبلغت شدة تعلقه بها أنه الم بالكثير مما يتلى فيها وهو طالب بالمدارس الابتدائية ولم يكن قد تجاوز الثانية عشرة من العمر. ثم دفعته غيرته على تقدم الكنيسة ونمائها على ان يكرس حياته لخدمتها فالتحق بالمدرسة الاكلير يكية وهو فى السادسة عشرة من عمره بعد تردد مديرها فى قبوله لصغر سنه وللزعم بانه وهوفى هذه السن لايقوى على تحمل أعباء الدراسة بها . ولكن ما ان مرت بضعة شهورعلى وجوده بالمدرسة المذكورة حتى أصبح موضع أعجاب مديرها واساتذتها لما اظهره من النبوغ الفائق واستمر كل سنى الدراسة فيها متفوقا على اقرانه مضرب المثل بينهم فى نبل الاخلاق وعلوالهمة وقوة الارادة وشدة العزيمة واصالة الرأى. ولم يكن يكتفى بما يتلقاه فى المدرسة من الدروس المقررة بل كان يحصل على كل مفيد من الكتب الكنسية ومن مؤلفات العلماء اللاهوتيين والمؤرخين و يدرسها بعناية تامة فاتسعت بذلك مداركه وكثرت معلوماته وعظمت ثقافته .
ولما أن تخرج من المدرسة الاكليريكية عين واعظا لكنيسة ملوى القبطية فقوبل فيها بادئ ذى بدء مقابلة شاب فى العشرين من عمره ولكن سرعان ما وجد فيه شعبها واعظا تقيا قديرا ومعلما فاضلا حكيما ومرشدا صالحا أمينا فأحبه جميع أفراد الشعب حبا جما وأنزلوه أحسن منزلة فى نفوسهم . وأن أنس لا أنسى موقفهم الرائع حينا قرأوا فى احدى الصحف أن الطيب الذكرنيافة مطران المنيا السابق قررنقله من كنيستهم الى كنيسة سمالوط فلقد ثارت عند ذلك ثائرتهم وقاموا قومة رجل واحد معترضين على نقله والفوا من بينهم وفدا قابل نيافة المطران فتفضل نيافته وهدأ خواطرهم بنفيه اشاعة نقله نفيا باتا وأبلغهم ان واعظهم عندما زار كنيسة سمالوط تلبية لدعوة اعضائها تعلق به أهلها وأخذوا يهدون السبيل لتعيينه فى كنيستهم ولكن نيافته لم يوافقهم على ذلك لم يعلمه من شدة محبة شعب ملوى له ودرجه تمسكهم بوجوده بينهم .
واذكر بهذه المناسبة أن أثنين من أصحاب النيافة والمطارنة عرضا عليه الخدمة معها نظير مرتب كبير يغرى ولكنه فضل البقاء بكنيسة ملوى نظرا لما وجده فى أهلها من المحبة والاخلاص والوفاء غير ناظرالى الماديات الفانية لانه لم يكن يبغى سوى خدمة الكنيسة والعمل على تقدمها .
وقد رسم كاهنا لكنيسة ملوى فى يناير سنة ١٩٢٥ بناء على تزكيه اجماعية من شعبها وكان يوم رسامته يوما مشهودا اشترك فى الاحتفال به جميع أهل المدينة على اختلاف مذاهبهم ونزعاتهم وكان الكل يهنئون بعضهم بعضا .
وكانت حياة الفقيد نيح الله نفسه سلسلة جهاد متواصلة الحلقات فانه علاوة على أضطلاعة بمسئوليات الخدمة بالكنيسة وافتقاد الرعية والقيام بالوعظ والتعليم كان يدأب على الاطلاع والبحث والتأليف والنشر، ولقد تمكن فى غضون تسع سنوات من تأليف خمسة عشر مؤلفا قيما من بينها كتاب تاريخ الكنيسة القبطية ، هذا فضلا عما كا ن ينشره فى الصحف والمجلا ت من البحوث الروحية والادبية وعن تحمله أعباء ادارة وتحرير مجلة الفردوس .
ولقد برز الفقيد أبان الحركة الوطنية فكان فيها خطيب ملوى الذى يشار اليه بالبنان يدعو دائما الى الاتحاد والاخاء والجهاد فى سبيل أسعاد الوطن العزيز.
واليه يرجع الكثير من الفضل فى حل أهالى ملوى على الاكتفاء باقامة المآتم لمدة ثلاثة أيام وكان من عادة البعض اقامتا لمدة اسبوع والبعض الاخرلمدة خسة عشر يوما .
وظل الفقيد مع ما كان يقوم به من الخدمات العامة السالفة الذكر نشطا فى خدمة الكنيسة عاملا قويا فى سبيل نهضتها وقد ألف اتحادا من حضرات زملاثة قساوسة ووعاظ كنائس البلاد المجاورة وأخذ يعمل معهم على انعاش هذه الكنائس باقامة مجامع بها يتبادلون الوعظ فيها وكان لهذه المجامع بعون الله أثرها الفعال ومع ما بلغه الفقيد من سمو المكانة فى النفوس بسعة علمه وغزارة فضله وعلو همته فانه كان بعيدا كل البعد عن الزهو والحيلاء مثالا للتواضع وأنكار الذات.
ولقد حلت به فى سنى حياته القصيرة تجارب متنوعة فتحملها بالصبر مقدما عنها لله خالص الشكر. جرب فى ابنائه فكان كلما رزق أبنا أختطفه الموت منه ، وجرب كثيرا فى صحته . ثم فجع فى اليوم الثانى من ديسمبر سنة ١٩٢٨ بوفاة المرحومة والدته العزيزة فخسر بوفاتها أعز من فى الوجود اليه وأكثرهم حنوا وعطفا عليه وكان حزنه عليها شديدا لدرجة أنه كان يصلى بالالحان الحزينة مناجيا روحها الطاهرة وبالرغم من شدة وقع هذه المصائب فى نفسه فانها لم تنل من عزيمته أو تضعف من مجهوداته الجبارة فى خدمة كنيسته وامته تلك الخدمة التى كرس حياته لاجلها والتى ظل يؤديها بكل أمانه ونشاط حتى أقعده المرض عنها مرغا.
وفى يوم الجمعة ١٦ مايو ستة ١٩٣٠ تحدث الى من كانوا فى زيارته للاستفسار عن صحته قائلا لهم «سأموت الليلة فأرجو أن تصلوا على فى ملوى وتدفنونى فى هور» فكأن شأنه فى ذلك شأن غيره من الابرار القديسين الذين يشعرون بدنو الاجل وقرب الساعة وما وافت الساعة الثانية عشر من مساء اليوم المذكور الا وفاضت روحه الطاهرة الى باريها فلاقى وجه ربه راضيا مرضيا .
وفى صبيحة اليوم السابع عشرمن شهر مايو سنة ١٩٣٠ سرى نعيه بسرعة البرق فى جميع أنحاء ملوى وهور والبلاد المجاورة فاضطربت النفوس وخفقت القلوب وسالت العبرات .
وأقبل القوم على داره ووجوههم واجمة وقلوبنهم دامية : كل يريد أن يلثم يديه متبركا منه ومودعا له قبل أن يلف فى كفنه و يدرج فى نعشه . واكتظت شوارع المدينة بالاهلين من جميع الطبقات والمذاهب والملل وظلوا واقفين وكأن على رؤوسهم الطير منتظرين تشييع جنازته حتى اذا ما أطل عليهم نعشه محمولا على الأعناق صرخوا صرخة الحزن من الاعماق وتزاحموا حواليه وخلفه باكين مولولين وكان اخواننا ألمسلمين يتهافتون على حمل نغشه قائلين للمسيحيين (دعونا نقوم بواجب الوفاء له فلقد أخلص فى حياته الود لنا بمثل ما اخلص لكم وخدمنا كما خدمكم وليس حزننا عليه باخف من حزنكم » وسار موكب جنازته تلازمه الروعة ويحدوه الجلال حتى وصل الى الكنيسة القبطية حيث صلى على الفقيد لفيف من الكهنة وابنه كثير من الخطباء ثم أستأنفت الجنازة بعد ذلك سيرها حتى خرج به القوم من ملوى الى مدفنه ببلده هور، خرجوا به من المدينة التى تفانى فى خدمة كنيستها وفى حب شعبها .
خرجوا به ولكل بساك حوله صفقات موسى يوم دك الطور
حتى أتوا جدثا كأن ضريحه فى كل قلب موجد محفور
وبعد أن ورى الفقيد التراب انصرف الجمع وهم يبكون شبابه الغض و يترحون عليه و يذكرون فضائله و يعددون ماثره
لقد جاهد فقيد الكنيسة الشاب جهاد الابطال ورقد فى الرب فنال اكليل الحياة. جعل الله من سيرته العاطرة خير مثال يحتذيه العاملون المخلصون .
+++
بعد حمد الله
الى القارى القبطى
فى هذا الكتاب نقف على تار يخ آبائك الابطال وأجدادك العظام الذين تمسكوا بالمسيحية ودافعوا عنها دفاعا مجيدا رفع شأنها وعظم اسمها وخلد لهم ذكرا حسنا انتشر اريجه وذاع فى الانام خبره . فلك ان تقارن بين غيرتهم الوقادة على حفظ كرامة ديهم وبين فتورك المتناهى فى أمر ذلك الدين . وبين سعيهم المتواصل لوضع كنيستهم فى الشأو الاعلى وبين تأخرك المعيب فى هذا الميدان. فلعلك تتخذ من ذلك درسا يحملك على التعهد بالسير فى السبيل الذى يمكنك من استعادة ذلك المجد الغابر
يسعدنا ان نقدم لكم كل ما يخص المحتوى القبطى باستمرار – كما نتمنى منكم دعمنا و تشجيعكم لنا من خلال مشاركتكم و تعليقاتكم على محتوى موقعنا – حتى نستطيع تقديم المزيد بشكل مستمر
فتابعونا دائما على [ ladlamp.com ]