عجول وعقول - ladlamp
بقلم: ماري جرجس دكتورة صيدلانية وأديبة
[ad_1]
… يحكي أن رجلا بسيطا كان يعيش مع زوجته وأولاده الستة في بيت صغير متواضع… كان الرجل يعمل نهاراوليلا ليكفي أسرته طعاما وشرابا وكسوة وخلافه.
وكلما مرت الأيام وكبر الأبناء زادت متطلباتهم ومصاريفهم وضاق المنزل بأجسادهم الفارعة. تعب الرجل من الحمل الشاق وانحني ظهره وارتخت جفونه من السهاد والأرق واعتصر عقله بحثا عن حل ينقذه من دوامة الفقر ومذلة العوذ التي تبتلعه كالوحش الكاسر يوا تلو يوم.
… وفي ليلة وهو مخمور بسكرة الهموم تجلي له حل بدا معقولا ومقبولا
تذكر ذلك الفيلسوف الحكيم كبير بلدتهم وعقله المفكر الثاقب شيخ يقتدي التائه بنصحه ويهتدي المتعب بإرشاده.
هذا الشيخ قد بلغ من العمر أرذله واختبر كل صنوف التحديات في الحياة وبات قادرا علي إيجاد أفضل حل لأصعب مشكلة.
ومع زقزقة أول عصفور في الصباح الباكر نهض الرجل من فرشته والتي لم يغمض له جفن عليها طوال الليل وطرح جلبابا باهتا مهترئا فوق جسده النحيل المستهلك وانطلق سالكا أقصر طريق إلي مجلس الشيخ حيثما اعتاد أن يمضي نهاره.
اقترب الرجل منه وقبل يده فأذن له بالجلوس والتحدث.. بدأ الرجل في سرد معاناته اليومية وعجز عن تلبية متطلبات أسرته البسيطة الأولية وانكسار نفسه وروحه أمام زوجته وعياله وبالتالي انكسار جسده وعقله.
وبعدما أكمل الرجل سرده قام الشيخ وغاب قليلا ثم عاد وفي يده عجل صغير وأمر الرجل أن يصطحب العجل معه إلي بيته ويعتني به جيدا وبعد أسبوع يأتي به في نفس الموعد والمكان…
وبالطبع انصاع الرجل لأوامر الشيخ مؤمنا يقينا أن حل مشاكله كلها حتما في هذا العجل الصغير…
وبعد أسبوع عاود الرجل الشيخ حسب الاتفاق والموعد مصطحبا معه عجله الصغير وجلس وكان وجهه أكثر شحوبا وجسده أكثر نحولا وحاله يرثي له.
وسأله الشيخ: كيف كان أسبوعك؟
رد الرجل في حزن وغضب يكسوه الاحترام والمهابة لشخص الشيخ الوقور قائلا إن هذا الأسبوع كان أصعب أسبوع مر عليه منذ ولادته فالطعام الذي كان بالكاد يكفي يوما صار لا يكفي نصف اليوم لأن العجل شاركهم فيه.
والبيت الصغير الضيق صار أضيق لوجود العجل وتزاحمه معهم في نفس المساحة الضيقة والليل صار مزعجا بسبب ضوضاء العجل والبيت صار دائم الاتساخ رائحته بشعة طأطأ الشيخ رأسه في هدوء وقام وغاب بضع دقائق ثم عاد وفي يده عجل آخر وطلب من الرجل العودة بالعجلين إلي منزله دون الإكثار في الحديث إذا كان جادا في التخلص من مشكلته إلي الأبد.
وعليه أن يعود مرة أخري لمقابلته بعد أسبوع آخر في نفس المكان والزمان ثم تركه الشيخ وانصرف…
ومر أسبوع وجاء الموعد وحضر الرجل وجلس أمام الشيخ أكثر بؤسا وضعفا وإعياء وسأله الشيخ: كيف كان أسبوعك؟
رد الرجل بصوت بالكاد يسمع أن ذلك الأسبوع الذي مضي كان أشد صعوبة من قبله الطعام لم يكد يكفي وجبة واحدة والمسكن بات كثقب الإبرة.
الرائحة لا تطاق وزوجته صارت طريحة الفراش من التعب النفسي والجسدي وهو حقيقة لا يعرف ماذا يفعل فهو يتمني الموت كل لحظة.
قام الشيخ وغاب بضع دقائق ثم رجع وفي يديه أربعة من العجول وأمر الرجل أن يصطحب الستة عجول إلي منزله ووعده يكون الأسبوع القادم هو نهاية معاناته وعليه أن يثق فيه ثقة تامة.
شل الرجل في مكانه وكاد يسقط علي الأرض من هول الصدمة لكنه لم يملك إلا أن ينفذ الأمر دون جدال.
وبعد أسبوع آخر وفي نفس الموعد جاء الرجل ولكن هذه المرة يحمله أولاده الستة وزوجته وأجلسوه بصعوبة هو والستة عجول أمام الشيخ… ورفع الشيخ عينه إليه وقال الآن يمكني أن أبارك لك.
ففتح الرجل عينيه المغلقتين بصعوبة ورد قائلا: أنت تستهزئ بي ألا تري ما قد آل إليه حالي.
أنا لم أنم لحظة طيلة الأسبوع الماضي وآخر لقمة يابسة تناولتها كانت منذ يومين.. أنا أموت.
قال له الشيخ
لا تجادلني
اترك الستة عجول وارجع بيتك مع أولادك وزوجتك وعد بعد أسبوع لتقابلني في نفس المكان والزمان.
وأخذ الشيخ عجوله الستة ومضي تاركا الرجل وأسرته التي كانت تراقب المشهد من مسافة قريبة.
وبعد أسبوع وفي نفس المكان والزمان جاء الرجل وجلس أمام الشيخ
رفع الشيخ عينه فوجد الرجل مبتسما مهندما يفوح عطر رقيق من جلبابه البسيط النظيف تبدو عليه بشائر العافية والقوة والتركيز والدموية.
فسأله الشيخ:
كيف كان أسبوعك؟
رد الرجل في سعادة غامرة لقد كان أسعد أسبوع في حياتي
الطعام كاف والبيت متسع نظيف
أنام ملء جفوني كل ليلة وأستيقظ بصحة جيدة وأخرج لأجلب رزق عيالي
لقد حلت جميع مشاكلي
وقام الرجل وانحني ووضع قبلة علي رأس ويد الشيخ إكراما وإعجابا به ثم رحل.
[ad_2]
يسعدنا ان نقدم لكم كل ما يخص المحتوى القبطى باستمرار – كما نتمنى منكم دعمنا و تشجيعكم لنا من خلال مشاركتكم و تعليقاتكم على محتوى موقعنا – حتى نستطيع تقديم المزيد بشكل مستمر
فتابعونا دائما على [ ladlamp.com ]