Site icon ladcoptic

ما لا يقال في لغة الأرقام

ما لا يقال في لغة الأرقام

ما لا يقال في لغة الأرقام – ladlamp

أبوبكر الديب يكتب :

[ad_1]

يقولون أن لغة الأرقام، هي الأكثر مصداقية، والأكثر قدرة علي الإقناع، وأنها أساس علم الإقتصاد، حيث تكشف الحقائق وتصورها بوضوح لايقبل التأويل، لكن هل في لغة الأرقام ما لا يقال أو ما يكذب أو يضلل القارئ والمتابع.

الحقيقة أنه في لغة الأرقام هناك الكثير مما لا يقال، وفي الاقتصاد والسياسة الدوليين، حاول اللاعبون الكبار من الدول الكبري والاستعمارية اللعب بالأرقام وتضليل الشعوب خلال الأعوام الماضية، وبالتحديد منذ انتهاء الحرب العالمية الكبري، وتمثلت معظم هذه السياسات بالغموض فيما يتعلق بحل الأزمات الساخنة.

واستخدمت الدول الإمبريالية، والمؤسسات التابعة لها، سياسات غامضة وأرقام ظاهرها فيه الصدق وباطنها يمتلئ بالتضليل والكذب والمبالغة، وأصبح التلاعب بالعملات سلاحا فعالا تستخدمه الدول في الحروب الاقتصادية والتجارية وحتى السياسية، للتحكم بالتجارة والتبادلات العالمية ووضع بلدان ومناطق في أتون حرب دمرت الحجر والبشر والحضارة، واستنزفت الجيوش والجماعات والأفكار والمجتمعات.

و”الدولار” هو تلك القوة الناعمة التي تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية، وهو سلاح فتاك لايقل قدرة وفعالية عن أسلحة الحرب المتعارف عليها ولذا تحرص واشنطن علي قوته بكل السبل المعلنة والخفية، وحاربت من أجل إيجاد نظام نقدى جديد يعتمد علي الدولار عقب الحرب العالمية الثانية، وتحول الدولار الأمريكي من عملة محلية إلى عملة العالم الأولى، تستخدمه الولايات المتحدة كسلاح اقتصادي للدمار أحيانا، وهو ما تحاول فعله مع روسيا حاليا ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

وهذه الأرقام عبارة عن البيانات المالية الصادرة عن الحكومات والمنظمات الدولية والشركات العامة والخاصة والفردية وما ينشر عن معدلات الفقر والتضخم والنمو وأرقام المستهلكين والعديد من المؤشرات الأخري فضلا عن استطلاعات الرأي ومصادر الدخل وأعداد السكان.

ومنذ إعلان الإستقلال في عام 1776، قررت أمريكا توسيع أراضيها ونفوذها بكل السبل ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تدخر واشنطن أي جهدا للسعي وراء الهيمنة العالمية والاحتفاظ بها وسخرت في سبيل ذلك جيشها واقتصادها والعلوم والتكنولوجيا والثقافة، والاشاعات أحيانا والأرقام المضروبة أحيانا كثيرة والمعايير المزدوجة والتلاعب بالنظام المالي الدولي للتدخل كثيرا في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وضربت بميثاق الأمم المتحدة وأعراف القانون الدولي عرض الحائط مرات عديدة وسيطرت علي الكثير من الدول تحت شعارات براقة مثل “الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان”، وشنت أو شاركت في حروب في شبه الجزيرة الكورية وفيتنام وكوسوفو وأفغانستان ما أدى إلى كوارث إنسانية فادحة وما نموذج احتلال العراق عنا ببعيد.

وحتي الفن والموسيقي، لم يخلو من التلاعب ففي عام 2014، كشف تقرير لصحيفة الجارديان عن برنامج سري تديره الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للتسلل إلى قطاع موسيقى الراب في كوبا وإطلاق حركة ضد الحكومة الكوبية.

وفي إطار تقوية الدولار الأمريكي، قرر الإحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) رفع سعر الفائدة الأربعاء الماضي، بنسبة 0.75%، للمرة الخامسة على التوالي منذ بداية العام الجاري، ووصل مستوى سعر الفائدة في الاحتياطي الفيدرالي بعد هذا الرفع إلى بين 3 و3.25%، وجاء قرار الفيدرالي الأمريكي، برفع الفائدة ضمن مسعاه لكبح جماح التضخم المرتفع، والذي سجل مستويات قياسية في نحو 40 عاما، خلال وقت سابق من هذا العام. وتطلق الولايات المتحدة الأمريكية، سلاح “رفع الفائدة” على روسيا، من أجل انهيار الطلب علي البترول، وبالتالي تصفير مكاسب روسيا من صادرات النفط، المقوم بالدولار، فكلما ارتفع سعر الدولار كلما ارتفع سعر البرميل مقوما بعملة الروبل الروسي، حتي يحدث تدمير للطلب علي النفط الروسي.

ورغم إنشاء أمريكا أنظمة وقواعد دولية للحوكمة السياسية والاقتصادية العالمية بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها خرقت كل القواعد وانسحبت من المنظمات الدولية وترفض التصديق على العديد من المعاهدات مثل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والمؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية، وبروتوكول كيو وغيره.

وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، اتجهت الدول المنتصرة فيها، إلى تقسيم الغنيمة ورسم صورة جديدة للعالم فى ظل اختلاف موازين القوى، وكانت أمريكا الأقوى عسكريا واقتصاديا، فوقعت مع 43 دولة اتفاقية “بريتون وودز” عام 1944، لتطوير النظام النقدى الدولى الجديد، وجعلت فيها “الدولار” هو المعيار النقدى الدولى لكل عملات العالم، بعد أن كان الذهب هو الغطاء النقدى لكل هذه العملات، وتعهدت “واشنطن” وقتها بأنها ستمتلك غطاء من الذهب، يوازى ما تطبعه من دولارات، وتثبيت قيمة الدولار أمام الذهب بما يعادل 35 دولارا للأوقية، أى أن من يسلم أمريكا 35 دولارا تسلمه أمريكا “أوقية ذهب”، بينما باقى العملات يتم تقييمها بالدولار، وليس بالذهب مباشرة، وهنا سبب تسمية “الدولار” بالعملة الصعبة، فهو العملة الوحيدة التى يمكن استبدالها بالذهب، واكتسب ثقة دولية لاطمئنان العالم لوجود تغطيته من الذهب فى أمريكا، صاحبة أكبر رصيد من الذهب حينها، حيث كانت تمتلك 75% من ذهب العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

وجمعت الدول فى خزائنها أكبر قدر من الدولارات، على أمل تحويله لقيمته من الذهب، فى أى وقت أرادوا، واستمر الوضع على هذا الحال حتى مساء الأحد 15 أغسطس عام 1971، حيث خرج الرئيس الأمريكى “ريتشارد ميلهاوس نيكسون”، وهو الرئيس السابع والثلاثون لأمريكا، بعد اجتماعات سرية فى “كامب ديفيد” مع رئيس الاحتياطى الفيدرالى ووزير الخزانة ومستشارين فى البيت الأبيض، ليصدم شعوب وحكومات العالم جميعا، ويعلن بشكل مفاجئ، أن بلاده لن تسلم حاملى الدولار، ما يقابله من ذهب، وهو ما سمى بـ “صدمة نيكسون”، ليكتشف العالم، أن الولايات المتحدة كانت تطبع الدولارات بلا حساب، وأن ما طبعته كان أكثر بكثير من الذهب الذى تملكه، وأنها اشترت خيرات الشعوب، وامتلكت ثروات العالم بحفنة من “أوراق خضراء” لا غطاء ذهبى لها.. ولم تتمكن أى دولة من الإعتراض ورفض هذا النظام النقدى الجديد، لأن هذا كان معناه حينها أن كل ما خزنته هذه الدول من مليارات الدولارات فى بنوكها سيصبح ورقا بلا قيمة، وهى نتيجة أكثر كارثية مما أعلنه الرئيس الأمريكي.

وأعلن نيكسون، حينها تعويم الدولار لينزل فى السوق تحت المضاربة، وسعره يحدده العرض والطلب، ولن تكون له قيمة ثابتة كما كان سابقا، خلافا لإتفاقية “بريتون وودز” التى جعلت قيمة محددة للدولار مقابل الذهب، وبذلك أصبحت واشنطن قادرة على التلاعب بقيمة الدولار، ومن ثم التلاعب بقيمة عملات الدول الأخرى المرتبطة به، عبر تحكمها فى كمية الدولارات التى تطبعها وتطرحها فى السوق النقدية.. وقال نيكسون كلمته الشهيرة: “يجب أن نلعب اللعبة كما صنعناها، ويجب أن يلعبوها كما وضعناها”.. وبذلك صارت أمريكا تشترى ما تريده من ثروات الشعوب دون أن تخسر شيئا، لتحقق الرفاهية للشعب الأمريكى بلا تعب ولا حروب.

والآن وبعد 48 سنة من “صدمة نيكسون” للعالم، يبحث عدد من دول العالم، آليات التحرر من الدولار الأمريكي، وبدأت سيطرة العملة الأمريكية كعملة احتياط رئيسية فى العالَم تهتز؛ حيث تبحث الصين وروسيا والاتحاد الأوروبى وفنزويلا والبرازيل ودول أخري، عن طرق جديدة للتخلى عَن الدولار لمصلَحة عملات أخرى كاليوان الصينى واليورو.. وحتى حلفاء الولايات المتحدة فى الغرب، بدأوا يظهرون فقدان الصبر تجاه حروبها التجارية، وعقوباتها الإقتصادية لعدد من الدول، والتى تمس مصالحهم.

[ad_2]

المصدر : البوانة القبطية

Exit mobile version